مطبوعة بيداغوجية

محاضرات في تحليل الخطاب والسرديات

     ( سرديات الخطاب)

 

     أ.د. وردة معــلم

     التخصص :  أدب عردبي

     الطبع :2021

     ردمك  6-07-540-9931-978

مقدمــــة :

تتسع السرديات لتشمل كافة أنواع الخطاب البشري ، فهي في حالة تمدد كبير بدليل وجودها في كل مجالات الحياة لهذه الأهمية كان لها مكانتها المتميزة في كافة الآداب ، لاسيما الأدب العربي الذي شهد كغيره أنواعا فريدة و متميزة من السرود في عصوره المختلفة . و لقد احتفت مناهج الدراسة الحديثة بالسرود شفاهية كانت أم كتابية و حاولت فهمها بالقدر الذي يسمح بإنتاج معرفة تمكن الدارس من الاطلاع على هذا المجال البحثي المتميز الذي نسعى للتعريف به لدى طلبتنا من خلال اقتراح مواضيع جادة ، و تقديمها في إطار أكاديمي دقيق.

         و في هذا الإطار نحرص على القول بأن السرديات  هي نوع من المقاربة المجردة و التطبيقية في نفس الوقت  بمعنى إنها دراسة منهجية للأدب تعتمد التجريد و التوجيه العملي  بهدف استنطاق خصائص الخطاب السردي في الإطار الذي أمنته لها الفلسفة البنوية ذات المصادر المختلفة و التي بموجبها استطاع السرديون من أمثال:"جرار جينيت"Gerard Genette  ، و "تيزفيتان طودروف"T.Todorov ، و "رولان بارت" R.Barth عبر دراساتهم  الجادة في تحليل الخطاب السردي التأسيس لاتجاه  بات يعرف بالسرديات اللسانية أو سرديات الخطاب . و قد ظهرت في الفترة التي أزدهر فيها المد البنوي .و اهتم هؤلاء النقاد بمكونات الخطاب  من راوي و مروي و مروي له وكل ما له علاقة بهذه المكونات ،و كان هدفهم من دراسة هذه المكونات هو اكتشاف بنياتها الخاصة و العامة ،مستفيدين من النموذج اللساني الذي كان سائدا في عصرهم.

و لقد وفقت البنوية في تعاملها مع النصوص السردية خاصة منها الروائية ،و يرجع الفضل في ذلك إلى أنها لم تهتم بالأحكام القيمية و الرؤى الإيديولوجية التي كانت تشكل مرجعية هذه النصوص التي أصبحت من المنظور البنوي هي المرجع ، و لا شيىء سواه .أي التركيز على ما هو واقع فعلا في النص ،و لقد تأكد ذلك بظهور الكثير من النماذج ، و بالتالي الوصول إلى الهدف المنشود الذي يتمثل في وصول الدارس إلى القانون العام الذي يمثل الجانب الجمالي في كل نص سردي.

إننا نهدف من خلال تقديم هذه المحاضرات إلى :

                   1- توضيح كيفية استفادة السرديات من النموذج اللساني في عملية تحليل الخطابات السردية  ، أي إننا سنوضح للطلبة كيف وضعت السرديات تحت لواء نموذج نحوي بسيط ، و كيف استطاع السرديون  بناء  نحو للحكاية ؛أي تعريف الطالب بكون السرديات  هي جزء لا يتجزأ من الدراسات اللسانية ، و لا يحق للسانيات التخلي عنها حتى لو امتد حقل دراستها إلى مجالات أخرى .

                   2- توسيع مدارك الطالب المتعلقة بهذه المعرفة ، و ذلك بتوسيع نطاق البحث في هذا المجال الخصب ،و في هذا السياق يمكن القول إنه سبق للطلبة أن توقفوا عند الأثر الكبير الذي أحدثته اللسانيات على تخصصات شتى من بينها السرديات ؛ و ستتيح هذه المعارف فرصة كبيرة للطلبة للتعرف أكثر على طرق تحليل  الخطاب السردي ، و أشكال  صياغته  التي كانت اللسانيات نفسها تستفيد فيها من علوم عديدة ، هذا من جهة .

و ربما يطرح هذا المقياس صعوبة لدى الطالب  من جهة أخرى .و أعتقد أنها ستتمثل بالأساس في عدم معرفته الدقيقة بهذا التخصص الذي تعرف على بعض المعلومات المتعلقة به في مقاييس درسها في السنوات الثلاث  و هي غير كافية بنظري لسد حاجة  طلبتنا في هذا التخصص حديث النشأة  ،  و يمكن لي أن أعد هذه المعلومات بمثابة أرضية ربما ستسهل على الطالب عملية استيعاب مختلف قضايا تحليل الخطاب السردي و ذلك بلملمة مجموع المعارف التي تحصل  عليها بطريقة منهجية .

و سأستعين في سبيل تحقيق ذلك بنماذج تطبيقية مأخوذة من نصوص سردية :يتمثل النص الأول في قصة قصيرة لإبراهيم الكوني عنوانها :"اللسان" و قد استهوتني هذه القصة بالنظر إلى الإمكانات القرائية التي تمنحها للدارس ؛ فمن ناحية السردية تعد نموذجا صالحا للتطبيق باحتوائها على الكثير من المعطيات التطبيقية التي تصلح لاختبار الكثير من الجوانب النظرية . و من ناحية البيداغوجيا تعد نموذجا سلسا بالنسبة للطالب فهي تسهل عليه عملية الانتقال من مستوى سردي إلى آخر بالنظر إلى ضيق الحيز النصي الذي تمتاز به القصة القصيرة .و قد كنت أريد تجريب هذا النص على أكثر من طريقة في التحليل ، فقد عرضته على طرق التحليل التي قدمها "طودروف" و "جينيت"  و "بارت" في جوانب منها .و بعد معاينتها تطبيقيا رأيت تكرار الأمثلة التطبيقية فقد وجدت الكثير منها يتكرر من نموذج نقدي إلى آخر، و يرجع السبب إلى عاملين :الأول محاكاة النماذج لبعضها البعض .و الثاني  قصر النص ، و لتجنب ذلك رأيت من الضروري تلافي الأمثلة المكررة في مواطن بعينها. و قد كنت مضطرة  لسحب الجزء التطبيقي الخاص بنموذج "جينيت" بسبب كثافة التقنيات الزمنية؛ فقصة اللسان لا تتوفر على أمثلة شارحة عن الكثير من التنويعات التي تخص التقنيات الزمنية حسب المنهج المذكور و عوضتها بدراسة كنت قد أجريتها على رواية "عابر سرير" لأحلام مستغانمي كونها رواية تقنية بامتياز و قد اختبرت صلاحيتها من ناحية الزمنية .فكان هذا هو النص الثاني.أما النص الثالث فهو كتاب ألف ليلة و ليلة فقد أخذت منه بعض الأمثلة التوضيحة و الشارحة لبعض التقنيات السردية .

تكونت -تبعا لما تقدم ذكره - هذه المحاضرات من أربعة فصول ، جاء في مقدمتها فصل نظري بعنوان :مصطلحات و مفاهيم ،حاولت فيه توضيح طبيعة المقاربة السردية للخطاب الأدبي من خلال التوقف عند بعض المفاهيم كالبنية و السرد و علمه و نظرياته .كما  بينت فيه  كيف وضعت السرديات تحت لواء النموذج اللغوي .و أنهيته  بعرض لنظرية الأغراض لما تكتسيه من أهمية في مسيرة الدراسة السردية للخطاب.

و أما بقية الفصول فقد خصصتها لأشهر النماذج في تحليل السرد. فخصصت بناء على ذلك الفصل الثاني لنموذج تزفيتان طودروف ، وقسمتها حسب منهجيته في التحليل إلى ثلاثة محاور:هي السرد من حيث هو قصة  و السرد من حيث هو خطاب، و خرق النظام .

أما الفصل الثالث فأبرزت فيه إسهامات جينيت النقدية في السرد ، و توقفت عندها من خلال ثلاث مقولات ، هي : مقولة الزمن ، و مقولة الصيغة ، و مقولة الصوت .

                   و أما الفصل الرابع فبسطت فيه نموذج رولان بارت ،و قسمته بناء على طريقته في التحليل  إلى أربعة محاور  هي لغة السرد ، و الوظائف ، و مسألة الفاعل ، و مستوى السرد.

و قد كنت في كل مرة أحاول اختبار طرق التحليل البنوي للسرد من خلال العودة إلى النصوص التطبيقية المختارة  التي تحدثت عنها .

و إذا كان لا بد من الإشارة إلى الصعوبات التي واجهتني حين أعددت هذه المحاضرات فإنه يمكنني حصرها في اتساع المعرفة السردية و تشعبها ، و بكل ما راكمته عبر حقب متتالية من مفاهيم ومصطلحات. حيث انعكس ذلك على تلقي الطلبة الذين تفاعلوا مع هذه المحاضرات فأبدوا شغفا كبيرا بعوالم السرد الامتناهية .

في الأخير أتمنى أن يستفيد الطالب من هذه المحاضرات التي يبقى الهدف منها تعميق معارفه السردية  و تحصيلها في منابعها كما وردت إلينا ،إضافة إلى تطوير طرق قراءته للنصوص السردية ، حتى يتمكن من تقديم فهم أعمق للظاهرة الأدبية في صلتها بقضاياها النقدية .